تحكي إحدى الأمهات أنها وبينما كانت تتسوق مع ابنها الصغير رأى طفلًا معاقًا على كرسي متحرك، فأخذ ابنها يراقبه باستغراب شديد حتى شعرت بالإحراج.
وتشتكي أم أخرى أن ابنتها لا تقبل الجلوس مع أي طفل يختلف عنها في لون البشرة.
ويقول أحد الآباء أن الأطفال يتنمرون على ابنه؛ لأنه مصاب بالبهاق.
تتكرر هذه المواقف بين الأطفال، ومواقف أخرى تشابهها، وبالرغم من أنها تتفاوت في ضررها على الآخرين
إلَّا أن جميعها نابع من عدم قبول المختلف، فالأطفال يلاحظون الاختلاف، ويخافونه بعض الأحيان.
فكيف نهيئ لأطفالنا بيئة آمنة تقبلهم باختلافاتهم وتشابهاتهم؟ وكيف نزرع في الأطفال التقبّل والتعاطف؟
وكيف نجيب عن أسئلتهم ونرفع الغموض عما هو مختلف عنهم؟
سنحاول في هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة، وسنقترح بعض القصص التي تفتح باب النقاش
مع الأطفال عن الاختلاف وقبول المختلف.
كيف أغرس في طفلي قبول المختلف؟
يلاحظ الأطفال الاختلاف، لكنهم لا ينسبون إليه أي صفات أخرى، بل هذه أمور يكتسبها الطفل من البيئة حوله،
فالأطفال كالإسفنج يمتصون ما حولهم من تصرفات وسلوكيات، ويبنون عليها أفكارهم وانطباعاتهم عما حولهم.
علموا أطفالكم احترام الآخرين بأن تكونوا مثالًا يقتدى به في تعاملاتكم مع الآخرين داخل المنزل وخارجه.
ولنسأل أنفسنا:
كيف نتحدث أمام أطفالنا عن الذين يختلفون عنا بألوانهم وجنسياتهم وطباعهم؟
كيف نتحدث عن الاختلافات الجسدية وعن الإعاقات؟
هل يسمعون منا عبارات مثل: “هذه الرسمة معاقة”، أو “لماذا تجلس وحدك كأنك متوحد؟”
هل نصف الأشياء التي لا تعجبنا بأسماء إعاقات أو الأمراض؟
هل ننسب الصفات الذميمة إلى جنسيات وأعراق أخرى؟
قد تصدر من الراشدين المحيطين بالطفل عبارات غير مقصودة ولكنها تترك انطباعًا في ذهنه.
ما يسمعه الطفل من والديه في الخفاء قد يكرره في العلن.
ومن مسؤولية المربين انتقاء ألفاظهم بحذر، والتفكير بالصفات التي يرغبون برؤيتها في أبنائهم، والامتثال بها،
ليكونوا خير قدوة لأبنائهم.
كيف أتحدث مع طفلي عن اختلافات البشر؟
تقبُّل الآخرين من القيم الإسلامية التي حثنا عليها الله -سبحانه وتعالى-
– اقرأوا مع أطفالكم الآيات والأحاديث التي تتحدث عن قبول المختلف، والآيات التي تنهى عن السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بالألقاب…(11)).
– كوّنوا صداقات مع أناس مختلفة عنكم، لتكونوا قدوة صالحة لأبنائكم بقبول المختلف.
– علموا أطفالكم عاداتهم وتقاليدهم، ليكونوا أكثر اعتزازًا بتاريخهم وبأنفسهم.
– تعلموا مع أطفالكم العادات والتقاليد المختلفة للمدن والمناطق الأخرى والدول والشعوب في مختلف أنحاء العالم، وعن اختلاف اللهجات واللغات.
– اختاروا القصص والكتب والبرامج والأفلام والألعاب التي تحفل بالاختلاف.
وإذا سمعتم أو قرأتم أو شاهدتم شيئًا يسخر أو يزدري من الآخرين، فيجب الحديث مع الطفل عن هذه التصرفات، وأثرها على الآخرين، سواء كان محتوى مقروءًا كالكتب والمجلات، أو مرئيًا كأفلام الكارتون والبرامج التلفزيونية وغيرها.
– ليكن التركيز على ما يجمعنا وعلى تشابهاتنا مهما اختلفنا في أشياء أخرى.
(ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا)
في قصة (صديقان للأبد) نعيش في رحلة مليئة بالمغامرة والتشويق مع الصديقين أحمد ومحمد، ونتعلم منهما أن اختلافات البشر قليلة مقارنة بالأمور التي تجمعهم.
لا مانع من السؤال!
الأطفال فضوليون وصريحون، يبادرون بالسؤال عن كل ما يرونه مختلفًا عنهم وعما اعتادوا عليه.
أجيبوا على أسئلة أطفالكم بصدق واحترام، فملاحظة الاختلاف أمر طبيعي، بل حتى الخوف منه أمر طبيعي.
إن فهم الاختلاف وأسبابه يزيل الخوف ويجعل من الاختلاف أمرًا مألوفًا وطبيعيًا.
ولا مانع من النقاش مع الطفل عن الموضوع إذا كان النقاش يتسم بالاحترام واللباقة، لكي يتعلم الطفل أن بإمكانه السؤال والاستفسار ولكن باحترام ودون مضايقة الآخرين.
وعليه أيضًا أن يتقبّل أن البعض لا يحب أن تطرح عليه هذه الأسئلة، وقد يمتنع عن الإجابة وهذا من حقه.
قصة (إيلمر)
قصة الفيل الملون “إيلمر” مناسبة للأطفال من سن صغير، تحتفل بالاختلاف وتحتفي به، فالفيل “إيلمر” مختلف عن بقية الفيلة، إلَّا أنه محبوب من جميع حيوانات الغابة؛ لأنه يحسن معاملتهم ويتصرف بلطف في كل الأوقات.
قبول الاختلافات داخل المنزل
لكي يتقبّل الطفل الاختلافات التي يراها في الآخرين خارج نطاق عائلته، يجب أن يكون متقبّلًا للاختلافات التي تميزه عن غيره، والاختلافات التي تميز أفراد عائلته وجميع الأشخاص في دائرة معارفه المقربة.
عندما يتقبّل الطفل نفسه ويحبها، سيسهل عليه قبول الآخرين والتعايش معهم.
ومن المهم أن يحس الطفل أن والديه يحترمان اختلافه.
