في هذا الوقت وفي مثل هذه الأوضاع والتغيرات الحاصلة جراء انتشار جائحة كورونا بالعالم عامة، لا شك أن هناك الكثير من الأسئلة التي تراود عقول صغارنا وتسبب لهم الحيرة، فتحيط الحيرة الأطفال حول هذا المرض الجديد (مرض كورونا) والذي يرون أثره الكبير على حياتهم، ولكنهم لا يعرفون ما هو هذا المرض؟ ولماذا أصيب العالم به؟ ولماذا هو مستمر بالانتشار ولا يتوقف؟
حتى أننا نجد أن بعض الأطفال قد بدأ بتجسيد هذا المرض كأن يقول: أرغب بأن أمسك هذا المرض وأبرحه ضربًا.
وبعضهم يرغبون بضرب الرجل الصيني الذي يشاع بأنه قد تسبب بانتشار المرض، ولكن البعض الآخر من الأطفال قد يأتون إلى أهلهم بأسئلة من المهم على المربي أو المسؤول سواء كان الأم أو الأب أو الإخوة الكبار أو حتى كبار السن في المنزل ومن يحيطون بهؤلاء الأطفال أن يستقبلوا أسئلتهم برحابة صدر وألَّا يتجاهلوها أو ينفروا منها حتى وإن كانوا لا يملكون الإجابة، وينتبهون على عدم تقديم إجابات مقولبة وجاهزة، مثل: “هذا المرض ابتلاء من الله” أو ” لا أدري” فهذه إجابات نمطية قد لا تجيب على تساؤلاتهم، ويمكن بدلًا منها أن نقول: لا أعلم.. ولكن ما رأيك أن نبحث عن الموضوع ونتوسع أكثر ونفكر بهذا المرض ونستكشف الكثير من الإجابات معًا؟
سؤال طفلك لك تعبير عن ثقته بك، ويعني أنك مصدر المعلومات الأول بالنسبة له. لا ترد أسئلة طفلك وتصده حتى لا يستعين بمصادر أخرى للمعلومات والتي قد تكون مغلوطة أو خاطئة.
لا خلاف ولا ضير في سؤال الأطفال عما يحيرهم ويغمض عليهم، ولا يجب أن ننهرهم عن الأسئلة ونمنعهم من طرحها وكأنهم في طرحهم لها يمارسون سلوكًا خاطئًا، فإن الملائكة المسخرة لعبادة الله كما ورد في الذكر الكريم، والتي قد خلقها الله لأجل هذه الغاية لا غير قد سألت الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلمون)
لنتفكر لماذا وضع الله لنا هذه الآية في القرآن؟ ولماذا استخدم هذا الأسلوب؟ فقد تكون من الأسباب أن يبين لنا سبحانه مشروعية السؤال. وكذلك نجد سؤال إبراهيم -عليه السلام- لربه عندما قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ) وأجاب سبحانه: (قَال أَولم تُؤمِن؟) ورد إبراهيم -عليه السلام-: (بَلى ولكِن لِيطمئن قَلبي). فنجد هنا تأييدًا للسؤال ولفكرة الحوار، وأن التساؤل من صفات الإنسان منذ قديم الزمان، وأنه فطر عليه، والإنسان دائم البحث عما يغمض عليه. فهذا توضيح بأن السؤال حق مشروع في ديننا الكريم، وشيء من طبيعة البشر، وإلا لما استطاع الإنسان أن يبحث ويعمل ويستكشف ويصنع ويصل.
أما عن كيفية إجابة أسئلة الأطفال لنا فيما يخص مرض كورونا المستجد، والتي دائمًا تكون عن ماهية هذا المرض؟ وما طبيعته؟ وماهي مسبباته؟ وماهي طرق تجنب الإصابة به؟ فنجيبهم ونشرح لهم من خلال المعلومات المقدمة لنا من وزارة الصحة بأن فيروسات كورونا تشكل عائلة واسعة من الفيروسات التي قد تصيب الحيوان والإنسان، وأن عددًا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية، ومنها فايروس كوفيد-19 والذي يعتبر جديدًا على العالم ولم يكن هناك أي علم بوجوده قبل تفشيه بمدينة ووهان الصينية، ومنها انتقل إلى العالم أجمع. والذي تتمثل أعراضه بالحمى والإرهاق والسعال الجاف وفقدان حاسة التذوق أو الشم والعديد من الأعراض المختلفة الأخرى، وتكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ بشكل تدريجي. ويمكن أن ينتشر الفايروس وتنتقل العدوى من الأشخاص المصابين إلى السليمين عن طريق مخالطتهم، لذلك يجب علينا الاحتراز والبقاء في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة، ولبس القفازات والكمامة عند الخروج، وغسل اليدين والوجه جيدًا عند العودة.
الأطفال يسألون الكثير مثل هذه الأسئلة ومن السهل الجلوس معهم وإعطائهم المعلومات الصحيحة المنشورة والمؤكدة حول هذا المرض. ولكن سيسأل الأطفال أسئلة أخرى، مثل: لماذا يصيبنا الله بالأمراض؟ ومثل هذه الأسئلة التي يجدر بالمسؤول الانتباه لها وإعطاءها حقها، والجلوس مع الطفل عندها والحديث معه حولها؛ لأنها أحد الأسئلة الحساسة والتي تمس اعتقاد الطفل بعدالة الله سبحانه وتعالى، وتمس إيمانه بالله تعالى. فهنا يأتي دور المربي لدعم وتعزيز إيمان الطفل.
فحين يسأل الأطفال هذه التساؤلات.. “لماذا يصيبنا الله بالأمراض؟” من المهم أن نتعامل مع الطفل بحسب عمره وحسب مستوى تفكيره. فمن كان سنه أكبر قليلًا، نستطيع أن نجلس ونفكر بسؤاله معًا ونحظى بالوصول للكثير من الإجابات. كأن نفكر بفائدة هذا المرض عالميًا، ماذا أحدث يا ترى؟ هيا لنبحث ونرى! فمثلًا: على المستوى العائلي، حظينا بالترابط الأسري وأصبح بحوزتنا الكثير من الوقت المتاح لقضائه في الاستكشاف والتحدث أكثر مع عائلاتنا، أما عالميًا فأصبحت التوجهات لمحاولة البحث واكتشاف علاجات جديدة تخدم البشرية مستقبلًا، وكذلك للمؤرخين حظًا من ذلك، حيث أنهم توسعوا بالبحوث حول حالات مشابهة مرت على الإنسان خلال عصور التاريخ، وحظينا بمعرفة كثير من القصص التاريخية. كما أن تغير الحركة الاقتصادية وارتفاعها ونهوضها بأماكن وانخفاضها بأماكن أخرى، كذلك في مجال العمل والتعليم وكيف أصبح الناس يعملون ويدرسون وينجزون مهامهم عن بعد، مما فتح طرائق جديدة للعمل لم تكن موجودة مسبقًا. ومن الأمور المفيدة والمهمة أيضًا أن الناس بدأت باستخدام الإنترنت بطريقة فعالة أكثر من السابق. ومما لا شك فيه أنكم ستجدون الكثير من الفوائد الأخرى حول هذا الموضوع، وبمثل هذه الطريقة نعمل على تعزيز فكرة البحث ومعرفة كيفية الوصول إلى الإجابات لدى أطفالنا.
ومن الجيد أن نبين لأطفالنا ونشرح لهم أن الأمراض شيء من سنة الحياة وجزء منها، وأنها تحدث للإنسان على مر الزمان واختلاف العصور، كما أنها طبيعة حياتية. وهناك العديد من القصص والمواقف التاريخية التي تدل على ذلك، ومنها أن الحمى والمرض قد أصابت أطهر الناس وأكثرهم صلاحًا وهم أصحاب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجروا مع النبي إلى المدينة المنورة وأصابهم البلاء والسقم فيها، وكذلك نتذكر أنه في عام 1919م الموافق للعام 1337هـ حل بالجزيرة العربية خصوصًا منطقة نجد جائحة وباء تسمى (بسنة الرحمة) وقد سميت بذلك نسبة لكثرة ترحم الناس على الموتى، وسميت أيضًا بسنة الطاعون. وأكد المختصون فيما بعد أن وباء سنة الرحمة هو نفسه جائحة إنفلونزا أو ما عرف بالإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا وقارات العالم الأخرى وقتلت الكثير من الناس، وهذه من سمات التاريخ، والمرض مظهر من مظاهر الحياة، وهو من الصراعات الكثيرة التي يصارعها الإنسان في حياته. ولنتذكر أننا لسنا مطلعين على الغيب حتى نعلم ونقول أن هذا المرض عقوبة وابتلاء، فهذا من القول على الله بغير علم ولا دليل، لقوله تعالى: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). فيجب الحذر حتى لا ندخل بالافتراء وحتى لا نتقوّل على الله بما لا نعلم، ولا نصدر الأحكام على أفعال الله، وإنما نفكر بأنها من مظاهر الحياة الطبيعية التي يتعرض لها الصالحون وغير الصالحين في الحياة دائمًا.
وحديث الأفكار عن كورونا يفتح المجال للتفكير الناقد لدى الأطفال، من خلال تشجيع أطفالنا على التفكر والبحث عما يراودهم من تساؤلات. وهناك إجراءات واحتياطات سليمة يجب على المربين اتخاذها، وهنا نوصيهم بشدة إلى عدم المبالغة في الخوف والدخول في حالة هلع حتى لا ينعكس ذلك على الأطفال وينتج عنه إصابة الطفل بعارض سلبي، كالوسواس القهري، أو الخوف، أو الهلع.
يجب التعقل واستعراض جميع الاحترازات الوقائية مثل غسل اليدين عند الخروج، وعند ملامسة الأشياء الخارجية، فغسل اليدين يكون عند خروج الطفل من منزله أو عند ملامسته لشيء من الخارج ولا يصح أن نأمر الطفل بكثرة غسل يديه وهو باقٍ في منزله ولم يخرج منه، ولم يلامس أي شيء خارجي. فلماذا يجبر بعض المربين أطفالهم على غسل أيديهم بين الحين والآخر وهم في داخل بيوتهم! كما أن لبس الكمامات بشكل مبالغ به كأن يلبسه الشخص وهو جالس بمفرده فعل فيه مبالغة وقد يسبب إعاقة التنفس السليم، ويمنع من تزويد الجسم بكمية الأوكسجين المناسبة. فعلينا أن نحكم العقل ونجعل أطفالنا عقلانيين ولا يتبعون الإرشادات الخاطئة، وأن يعتمدوا على إرشادات وزارة الصحة في ذلك، وهذه فرصة جيدة نعزز من خلالها مبدأ هام عند أطفالنا وهي عدم أخذ المعلومات إلا من مصادرها الصحيحة والمعتمدة، وعدم أخذ الشائعات وتطبيقها.
ونسأل الله الرحمن الرحيم أن يتولانا جميعًا برحمته الواسعة، التي شملت كل شيء. وعلينا أن نؤمن وأن نعزز هذا الإيمان لدى أطفالنا برحمة الله تعالى ولطفه بنا بتكرار الأدعية والآيات التي تدل على رحمة الله. كقوله تعالى:
– (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
– (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
– (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ).