لا توجد عائلة إلَّا ويحدث بين أفرادها خلافات خفيفة أو شديدة، وبالأخص بين الإخوان والأخوات المتقاربين في الأعمار.
ولكن إذا لم يعالج الوالدان هذه الخلافات بحكمة، فإنها قد تقلل من تقارب الإخوان، وتزرع بينهم التنافر، وقد تمتد هذه الفرقة على المدى البعيد فيصبحون كالغرباء في كبرهم.
أهمية الإخوة في حياة الإنسان
عندما كلف الله نبيه موسى عليه السلام بالرسالة، سأله أن يشد أزره بأخيه هارون، فالأخ هو السند والصديق الذي لا يخيب.
ولكن علاقة الأخوّة القوية والمتينة في الكبر تتطلب أن يحظى الإخوة بطفولة إيجابية.
فالصراعات بين الإخوان أمر طبيعي ولكنها قد تتجاوز الحد الطبيعي وتتفاقم إذا تم تغذيتها من قبل الأهل بطريقة سلبية ولم يتعاملوا معها كما يجب.
نقدم لكم في هذا المقال بعض الطرق التربوية التي تساعد في تقارب الإخوة وتخفيف حدة الصراعات بينهم، حتى تنعم الأسرة بالسلام.
أولًا: لا تظهروا تفضيل أحدهم على الآخر
التفرقة بين الأطفال في المعاملة هي أكبر ما ينشئ البغيضة والكراهية بين الإخوة، ويجعل النزاعات الأخوية تمتد إلى ما بعد الطفولة، وبالأخص إذا كانت التفرقة من الوالدين.
ويظهر هذا التمييز واضحًا في التفريق بين الأبناء بالعطايا والهبات والشراء.
وقد يتميز أحد الأبناء على إخوته، أو يحتاج إلى عناية خاصة بسبب مرض أو ظروف خاصة، وفي هذه الحالات فعلى الأهل مراعاة احتياجات أبنائهم، والانتباه إلى الأبناء الآخرين الذين قد تنشأ فيهم مشاعر الغيرة بسبب هذا التمييز، وتظهر بسببها سلوكيات عدائية وكره للأخ المتلقي اهتمام الوالدين، لأن الطفل يرغب باهتمام والديه ويشعر بأنه لن يحصل عليه إلّا إذا أساء التصرف.
ثانيًا: علموا الصغار احترام الكبير، والكبار الرحمة بالصغير
لكي ينشأ الإخوة في بيئة محبة يجب أن يكون الاحترام متواجدًا في غالب الأوقات، ومن المهم أن يعرف كل فرد من أفراد العائلة دوره في الأسرة، فالأبناء الكبار لهم الاحترام والتقدير، وبالمقابل عليهم أن يرحموا إخوتهم الصغار ويعاملوهم بشفقة ومودة.
ثالثًا: تكليف الإخوة بمهام الاهتمام بإخوانهم
إن إشراك الأبناء بمهام العناية بإخوتهم يزيد من تقاربهم واهتمامهم ببعضهم.
وعندما يشعر الأبناء بأن عليهم جزءًا من المسؤولية تنمو ثقتهم بأنفسهم، ويزداد إحساسهم بالأهمية وبأن لهم دورًا فعالًا في عائلتهم.
ولكن يجب ألَّا يكون العمل الذي يكلفون به عملًا شاقًا، لكيلا يشعر الإخوة الكبار بأن إخوتهم عبء عليهم، فتزداد الضغينة والكراهية بينهم.
رابعًا: لا تقارنوا بين أبنائكم
قد يكون صعبًا على الوالدين عدم مقارنة أبنائهم ببعضهم، بل وحتى تفضيل صفات بعضهم على الآخر.
وتأتي هذه المقارنات من لحظة ولادة الطفل، فالأم والأب ينظران إلى مولودهما الجديد ويقارناه بما اعتادا عليه من إخوته الذين سبقوه، من ناحية عاداته الغذائية وتطور نموه وسلوكياته وغيرها، بل قد تبدأ المقارنة عند الأم من فترة حملها.
وهذه المقارنات لا ضرر منها على الغالب، ولكن عندما يكبر الأبناء يجب على الوالدين الانتباه لهذا الأمر والتوقف عن مقارنتهم والحرص الشديد على عدم التصريح بالفروقات بينهم بأي حال من الأحوال.
لأن المقارنة تزرع الكره والبغضاء بينهم، وتجعل الأبناء يشعرون وكأنهم يتنافسون ضد بعضهم، فيرون تفوق إخوتهم ونجاحهم فشل لهم.
يجب على الوالدين والمربين العناية بالاختلافات الفردية بين أطفالهم، بل وتشجيعها ومراعاتها، دون مقارنة أو تفضيل، لكي ينشأ الإخوة في بيئة محبة ولا يشعرون أنهم يتنافسون مع إخوتهم على رضاء والديهم.
خامسًا: تشجيع الأبناء على الألعاب الجماعية والحوار العائلي
يستطيع الوالدان أن يصنعا جوًا عائليًا وذكريات ممتعة مع أطفالهم، تقوي علاقاتهم وتزيد ارتباطهم ببعضهم.
مثل توفير ألعاب جماعية وإشراك جميع أفراد العائلة فيها.
وتشجيع الحوار العائلي بإتاحة الحرية للجميع للتعبير عن رأيه، دون إهمال أو تهميش أي أحد، وإعطاء الفرصة للجميع للحديث في الجمعات العائلية.
متى يجب على الأهل التدخل في شجارات الأطفال؟
بقدر ما نشجع أن يحل الأطفال خلافاتهم بأنفسهم إلَّا أن بعض الخلافات تحتاج تدخل الأهل لحلها، ويجب على الآباء والأمهات وجميع المربين أن يعرفوا متى يتطلب منهم التدخل.
– إذا وصل الشجار إلى الضرب والهجوم الجسدي.
– إذا بدأ أحدهم بالصراخ على الآخر ورفع صوته عليه.
– إذا تجاوز أحدهم بالسب والشتم أو الاستهزاء بالآخر.
كيف يكون التدخل وفك النزاع؟
1- حاولوا فك النزاع قبل أن يتفاقم: إذا لاحظت أن أحد أطفالك سيقدم على أي من الأمور التي ذكرناها أعلاه فتدخل حالًا قبل أن يتضرر أحدهم، وقد يتطلب التدخل إبعاد الأخوين عن بعضهم وتفريقهم حتى يهدأ الوضع.
2- أخبروهم أنكم ستناقشون الموضوع لاحقًا بعد أن يهدؤوا: المشاكل لا تحل بالتجاهل، ولكن يستحسن تأجيل النقاش وحل المشكلة حين يهدأ جميع الأطراف.
3- كونوا هادئين وركزوا على الجوانب الإيجابية، التدخل لا يعني التعنيف أو الصراخ، ويجب على الأهل الهدوء وتخفيف حدة الموقف، والتركيز على السلوكيات الإيجابية وتشجيعها، مثل: شكرًا لك لأنك ابتعدت، خذ نفسًا عميقًا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
4- ذكّروا أطفالكم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الغضب:
– الاستعاذة من الشيطان الرجيم: قال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه”.
– السكوت: قال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا غضب أحدكم فليسكت”.
– الجلوس إذا كان قائمًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع”.
5- تذكيرهم بوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لشخص سأله: أوصني يا رسول الله، فرد الرسول: لا تغضب، ورددها مرارًا.
تعزيز علاقة الإخوة الإيجابية عن طريق القصص
يتأثر الأطفال بالقصص التي يقرؤونها والشخصيات التي يتعرفون عليها عبر وسائل الإعلام المتعددة، وأفضل طريقة لكي يتعلم الأطفال أساسيات العلاقة الإيجابية هي أن يرونها ممثلة أمامهم في قصص مسلية ومشوقة.
قصة (الكذبة الكبيرة) التي ستصدر قريبًا عن دار أسفار للنشر والتوزيع، تروي قصة لؤي الذي يرتكب خطأً ويلوم أخته الصغرى عليه، فيقع العقاب عليها بدلًا منه، يشعر لؤي بالضيق من كذبته هذه ويزداد شعوره بالحزن عندما يرى أخته الصغرى ممنوعة من الحلوى.
يعالج الكتاب بأحداثه كيفية حل المشاكل بين الأخوين، فعندما يشعر لؤي بالذنب حيال فعلته يفكر في حل ويتشجع ويصارح أهله بفعلته فتحل المشكلة ويزول عنه الشعور بالضيق.
كما تنمي القصة الحب تجاه الأخت الصغرى ومعاملتها بعطف ورحمة، وكل هذه سلوكيات إيجابية يستفيد الأطفال من رؤيتها مصورة في أحداث القصة.